بلال فضل:«عصير الكتب» حلم شخصي ومشروع قومي

بلال فضل:«عصير الكتب» حلم شخصي ومشروع قومي

إبراهيم محمد حمزة ـ جريدة القاهرة : 4 ـ 5 ـ 2010

< فكرة "عصير الكتب " تعود للعم علاء الديب، الذي شكرتموه - بنبل - في مقدمة البرنامج، فهل هذا الطرح يمكن أن يؤدي للمساهمة في تكوين جيل قاريء ؟

- علي العبد أن يسعي وليس عليه أن يدرك النجاح. أنا أقدم البرنامج لأنه حلم شخصي بالنسبة لي، منذ أن كنت وأنا في خشونة أضافري التي لم تكن ناعمة أبدا أقرأ لعم علاء الديب في مجلة صباح الخير التي كان يحضرها أخوالي إلي البيت، وأشكر الله أن ساعدني علي تحقيق هذا الحلم الشخصي، أما الحلم العام الذي تتحدث عنه وهو تكوين جيل قارئ فهو حلم أكبر من مئات البرامج والصحف، هو حلم ينبغي أن يكون مشروعا قوميا لمصر وللوطن العربي، لأنه لا خلاص لنا إلا بالقراءة، يعني لا أريد أن أقول كلاما يبدو إنشائيا، لكن مع كل رسالة تأتيني وهي تحمل مقالا يكتبه قارئ خصوصا لو كان شابا أشعر بأنني فعلت شيئا عليه القيمة في حياتي، وكفرت ذنبا من ذنوبي، وأثقلت ميزان حسناتي الخفيف جدا.

< كم عدد القراء الذين يمكن أن يتأثروا بالبرنامج؟

- الله أعلم، لا يعنيني العدد، يعنيني أن هناك بالفعل من يهتم ويبحث عن الكتب التي نتحدث عنها في البرنامج، وهذا يكفيني وزيادة، وما زال المشوار طويلا علي أي حال، هذا من الناحية الموضوعية، أما من الناحية الشكلية فبالطبع أجمل شيء في الحياة أن تتكلم عن الكتب والأكل والستات، بالطبع كنت أحلم أن أتكلم في برنامجي عن الأكل والستات، لكن هناك برامج منافسة كثيرة في هذين المجالين، لذلك أكتفي بالتخصص في الكتب مؤقتا علي الأقل.

< تصور متابعون أن البرنامج سيقدم قراءة متعمقة لكتاب، فهل الواقع الثقافي لا يتحمل هذا الطرح ؟

- في رأيي، لايمكن لأي برنامج أن يوفي أي كتاب حقه، إلا لو قرأه كاملا علي الهواء، هدف البرنامج واضح، هو تقديم إطلالة علي الكتب الممتعة والمهمة في زمن لايتجاوز الساعة، والحرص علي أن يكون هناك توازن بين الكتب القديمة والحديثة الصدور، بين الكتب الأدبية والفكرية والسياسية والدينية، طبعا المهمة مستحيلة، ولكن "آدينا بنحاول"، وأتصور أنه عندما تطلب من المشاهد أن يقرأ الكتاب الذي تختاره له أسبوعيا ويكتب عنه مقالا نقديا يتضمن رأيه فيه، فهذا يحقق الهدف الذي تتحدث عنه إلي حد ما، علي أي حال، هذا جهدنا وهو جهد المقل، والبركة في برامج أخري ينبغي أن تظهر لتقوم بالقراءة المتعمقة.

في الهم .. عرب

< لاحظت أن البرنامج مصري، فهل هناك أمل لعصير بعض الكتب العربية؟ طرحت كتاب "نهوض إفريقيا" للبروفيسور الهندي فيجاي ماهاجان ـ ولكن النسبة قليلة؟ وهل هناك تخطيط لنوعيات مترجمة، أو لاستقبال بعض الكتابات الجادة من أصحابها لطرحها ؟ وهل فكرت في بدء البرنامج بقصيدة جميلة أو قصة قصيرة ؟

- مع أن البرنامج موجه في الأساس للمشاهد المصري، ولو أن قضايا مصر هي قضايا الوطن العربي، كلنا في الهم عرب، يعني عندما نتحدث عن جذور الفساد الإداري أو عن الإستبداد فنحن لانتحدث عن مصر فقط، لكننا مع ذلك ناقشنا كتابا مثل الوجه الآخر لإسرائيل وكتاب الويلات المتحدة الأمريكية ورواية عبده خال وظاهرة الرواية الخليجية والتجربة التركية في الإسلام السياسي، وأعتقد عندما نناقش هذه الموضوعات في سبع حلقات هي عمر البرنامج، فالنسبة معقولة جدا، أما حكاية الكتابات الجادة فأعتقد كل الكتب التي طرحناها أو تحدثنا عنها كتب جادة وممتعة في نفس الوقت، إلا إذا كنت تعني بالجدية الكتب المنفرة للقارئ والمكتوبة بشكل سيئ ومتقعر فهي ممنوعة من دخول برنامجنا لأن الناس مش ناقصه طفشان من القراءة. بالنسبة للقصائد هناك حلقتان تم تسجيلهما بالفعل بدأتا بقصيدة لصلاح عبد الصبور وأخري لأمل دنقل، وهناك فقرة تم تسجيلها عن الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي، وفقرة أخري نقدم فيها مفاجأة تخص شاعرا مصريا كبيرا، يعني آدينا بنحاول، بس ربنا يدينا القدرة علي الإستمرار ويبعد عننا ولاد الحلال.

من ميكي إلي "عوليس "

< في السنوات الأخيرة زادت ظواهر شكلية ثقافية، مثل فوضي حفلات التوقيع، وزيادة الناشرين، وظهور مكتبات مختلفة الشكل والتوجه، وظاهرة الأكثر مبيعا، مقابل حالة من التدني الثقافي ، هل رؤيتك للواقع الثقافي - وأنت من نجومه كاتبا وإعلاميا ـ هل رؤيتك تتوقف عند هذا التغير الشكلي في المنتج الثقافي ؟ وهل "عصير الكتب " بهذه الكيفية نتاج هذا التساهل الثقافي ؟

- لا أدري ماالذي يزعج بعض المثقفين من ظواهر مثل حفلات التوقيع والأكثر مبيعا، يعني إذا لم يقرأ الناس ننزعج وإذا قرأوا ننزعج، هل نريد من شاب بدأ القراءة لتوه أن يبدأ القراءة بعوليس ولعبة الكريات الزجاجية، ياسيدي ألم يبدأ كل مثقف مشواره مع القراءة بالألغاز وقصص الجريمة وحتي ميكي وسمير؟ لماذا يحلو لنا ممارسة الوصاية علي الناس، مع أننا ندعي أننا نرفض من يمارسون وصايتهم علي الناس بالدين؟ ما الذي يضايقنا إلي هذا الحد في حكاية حفلات التوقيع؟ واحد وفرحان بإن قرايبه حضروا حفل توقيع عامله ليهم ولصحابه، إيه اللي مزعلنا في ده، الأكثر مبيعا، هل هو إختراع خاص بنا، أم هو أمر موجود في العالم كله، ألا تنشر كل الصحف الكبري في العالم قوائم للأكثر مبيعا تشجيعا لدور النشر ولصناعة النشر، ألا يجب أن نفرح عندما يقوم ناشر ببيع عدد كبير من رواية لا نحبها كمثقفين، لأن الناشر بفضل هذه الرواية ربما ينشر كتبا أخري لكتاب جدد أو لكتاب غير جماهيريين، ألا يحدث ذلك بالفعل لدي كل دور النشر في مصر التي تنشر كتبا تبيع،إسأل الناشرين عن مدي استفادتهم من هذه الكتب، إسأل أصحاب المكتبات عن فضل هذه الكتب علي خلق حالة من الرواج الثقافي الحقيقي، في تصوري القارئ الذي يشتري رواية قد لاتعجبك، عندما ينتهي منها بالتأكيد سيفتش عن رواية لبهاء طاهر أو لإبراهيم أصلان أو لنجيب محفوظ وربما لماركيز، علي الأقل يشكر كاتب الرواية التي لم تعجبنا لأنه جعل هذا القارئ يعرف طريق المكتبة، هذا إذا كنا نفكر بعقلانية وبتجرد، بعيدا عن الأمراض الثقافية، وهي أمراض بشرية طبيعية علي أي حال، كانت موجودة حتي لدي أجيال العمالقة، ولسنا نطلب من الله أن يحولنا جميعا إلي ملائكة، لكن ونحن في هذه الوحلة التي نعيش فيها، دعونا نخرج منها أولا ثم نعلن النفسنة علي بعضنا البعض بعد ذلك.

أما إذا كان عصير الكتب نتاج هذا التساهل الثقافي، فأعتقد أن البرنامج اختار لنفسه منذ البداية الا يقدم الكتب الرائجة أو الأكثر مبيعا، بالعكس أفخر بأن البرنامج قدم كتابا ومؤلفين لم يلق أحد الضوء عليهم من قبل، لكنه في نفس الوقت اختار من خلال فقرة علي الرصيف أن يقدم رصدا دون إدانة لما يقرأه الشارع لكي يتنبه المتخصصون إلي دراسته. يعني مش عايز أتكلم عن شغلي أكتر من كده، سأترك التاريخ يتكلم عنه، خصوصا إني مش هاكون موجود ساعتها، وسيستطيع التاريخ أن يأخذ راحته في الكلام.

< قلت في حلقة من البرنامج أن (88% من الأسر المصرية لا تقرأ أي نوع من الكتب بخلاف الكتب المدرسية، وأن نسبة 79% من الشباب الذي يقرأ لا يقرأ إلا الكتب الدينية) هل هذا الأمر يدهشك أم يزعجك ؟ وهل للمؤلفين دور في هروب القارئ من ضلفتي الكتاب ؟

- والله بعد كل هذه السنين من التجهيل المنظم وحرب الإبادة الثقافية التي تحالف فيها الحزب الوطني مع الجماعات المتطرفة مع الظروف الإقتصادية الناتجة عن الفساد وغياب الرؤية، مع إنعزال النخبة عن الناس، مع ظروف أخري كثيرة، كويس إن الناس لسه بتفك الخط، ده إذا كانوا بيفكوه كما يجب، المسألة أكبر من أن نلقيها علي المؤلفين، لأن هناك كتابا كبارا وعظاما وممتعين لدينا من كل الأجيال، لكن المسألة أكبر من أن نحملها لجهة واحدة، هي حرب إبادة شاملة، وتحتاج إلي حرب تحرير شامل، وكان الله في العون.

< إن كانت القراءة هدفها زيادة الوعي، وإذا كان الإعلام المرئي يستطيع أن يلعب دورا مهماً في مسألة زيادة الوعي، فهل يسهم هذا الفيض من البرامج التثقيفية في زيادة القراء أم في فقدهم والاعتماد علي البرامج المشاهدة؟

- هذا أمر لا أستطيع أن أجيب عليه وأتركه للدارسين، لكن مما يصلني من ردود فعل من أصحاب المكتبات أعتقد أننا أسهمنا في الحلقات التي أذعناها في رواج الكتب التي تحدثنا عنها، يمكن أن تسألهم علي الأقل لتتأكد، لكن علي أي حال المشوار طويل جدا، والأهم التراكم والاستمرار، وهذا كما قلت لك أمر لا يمكن أن يقوم به فقط برنامج متخصص في الكتب، في رأيي لابد أن تتحدث كل البرامج في كل الفقرات عن الكتب.

كنت فين يا بلال

< السيناريو المميز للبرنامج هل أعد ليكون ثابتا، فقرة مع الشاعر شعبان يوسف، وعرض لكتاب، والروشتة .... إلخ ؟ ومتي سنجد موقعا للبرنامج يضم جميع التلخيصات التي يرسلها قراؤك للكتب ؟

- من المهم لأي برنامج في بدايته، علي الأقل في الشهور الأولي أن يكون له شكل ثابت لأن التغيير يمكن أن يؤدي إلي التشتت، لو استمر البرنامج عاما آخر يمكن أن يكون هناك تغيير فيه، بس قول يارب. بالنسبة للموقع يجري الإعداد له حاليا، وسيضم كل الحلقات السابقة وكل الكتب التي ظهرت في البرنامج ويشرح كيفية الحصول عليها من المكتبات وعروض القراء للكتب.

< (كنت فين من زمان يا بلال) بهذا التعبير المؤثر علق أحد القراء علي ملخص لحلقة البرنامج، متي سينشر بلال فضل كتبه في طبعات شعبية لـ سكان مصر الأصليين ؟

- والله محترفو القرصنة علي شبكة الإنترنت قاموا بالواجب، ولم يقصروا أبدا، كل كتبي وكتب غيري من الأساتذة والزملاء أصبحت موجودة علي شبكة الإنترنت ومجانا، قمت مرة بجمع مرات التحميل التي حصلت في عدة مواقع لمجموعتي القصصية «مافعله العيان بالميت» وحسبت ماكان يمكن أن أحصل عليه كحق مؤلف من وراء هذه النسخ لو بيعت في السوق، فتميزت غيظا، ولولا أنها مستورة بفضل الله من السينما والدراما لحسبنت علي كل من حمل كتبي ودعيت عليه، لكن في نفس الوقت لا أخفي سعادتي بأن هذا العدد الكبير يقرأ لي مجانا، وأعتقد أنك لو سألت أي كاتب حتي لو لم تكن العملية مستورة معه، ستجد المشاعر تتنازعه مابين حزنه علي هذا الإهدار الفاضح لحقوق المؤلفين ومابين سعادته بسعي الناس لقراءته خصوصا ونحن نعيش في أعوام الرمادة التي لا أدري هل يمكن أن نبيح للناس فيها حق سرقة المؤلفين والناشرين، لكن المشكلة أنه ليس كل من يسرق الكتب علي النت من ضحايا المجاعة. المشكلة أنني لا يمكن أبدا أن اتعاطف مع من يقوم بقرصنة الأفلام لأنه يقوم بتخريب الصناعة التي أعمل فيها، وليس لديه عذر لأنه يستطيع مشاهدة الفيلم في السينما أو ينتظر حتي يشاهده مجانا في التليفزيون، ليس له أي حجة يعني، لكن ربما من يحمل كتابا يستطيع أن يتحجج بأنه لن يجد الكتاب أبدا إذا كان في الأرياف أو في الصعيد، أو أنه لايوجد أساسا اهتمام كاف من الدولة بدعم صناعة النشر أو بإيصال الكتاب إلي مستحقيه. شوف ياسيدي، هذه مسألة معقدة علي حال وأنت نكشت فيها جرحا، ولا أقول نكأت، ويكفيني هذا القدر من الإجابة الملتبسة لكي لا يزيد بلال الطين بلة.

>للاطلاع على الحوار من المصدر إضغط هنا<